جواز سفر
هناك في تلك المدينة حي قديم ذات الطرقات الضيقة والأبنية المهترأة وفي نهاية إحدى الطرقات يوجد محل للقهوة تقدم أفخر أنواع القهوة في بعض الأحيان يرتاده بعض الطبقات الغنية .
في يوم صباح باكر قبل بزوغ أشعة الشمس وما زالت هناك بقايا ضباب كان يغطي كل طرقات المدينة جاءت سيارة فخمة يقودها رجل ضخم الجثة عريض الشوارب ذو ملامح باردة ويجلس في الخلف رجل أنيق يرتدي معطف و يغطي رأسه بقبعة بنية اللون ويمسك بيده غليون من التصميم القديم نزل الرجل من سيارته وتوجه الى القهوة مباشرةً
جلس على أول طاولة وهو واضع رجليه فوق بعضهما فنفث دخان كثيف من غليونه الأنيق
ظهرت فتاة جميلة رثة الثوب وبه رقعة تحمل بين يديها مكنسة للتو أنتهت من التنظيف بيها فركنتها في زاوية وبدأت بتنظيف الطاولات بدأت بتنظيف طاولة الرجل كان يحدق بها من رأسها لأخمص قدميها راق شكلها له أنتهت من تنظيف الطاولة وذهبت وهو يراقبها الى أن دخلت غرفة صغيرة في زاوية ضيقة من القهوة جاء طلبه فنجان قهوة ساخنة جداً وأخذ ينظر إلى الدخان المتصاعد فأبتسم بخبث وهو يوجه نظره إلى الغرفة الصغيرة .
-------------------------------------------------------------------------------------------------------
أشرقت الشمس كل شخص قام بمزاولة عمله اليومي يوجد فتى أسمه ( راضي ) معروف في الأحياء هناك نزل إلى السوق فأخذ يراقب بائعة الخضار وهي تبيع وتقتات رزقها وما أن رأها مشغولة حتى أنقض على حقيبتها وهرب بسرعة البرق صرخت بائعة الخضار ساعدوني ( راضي ) سرقني أنا هذه المرة أرجوكم أعيدوا إلي حقيبتي فيها مالي و حفل زفاف إبنتي قريباً جداً أرجوكم ركض خلفه العم ( خليل) والعم ( عمر) ولكن محاولتهم باءت بالفشل لم يستطيعا اللحاق به فرجعا الى بائعة الخضار وهي تبكي وتنتحب على مالها لقد ظلت سنين عديدة وهي تجمع المال لكي تقوم بتجهيز إبنتها فجاء هذا الولد المستهتر وسرق كل مدخراتها .
أطلت ( بيرين) من نافذة غرفتها الصغيرة على بائعة الخضار وهي تبكي أرادت أن تنزل إليها لتواسيها على محنتها لكن ماأن نظرت الى رجليها العاجزتين عن حملها حتى عادت الى الحزن الذي كانت عليه هذه السنة الخامسة تمر عليها وهي مقعدة لم تحظى بعلاج جيد يعيدها إلى وضعها الطبيعي إنها تحلم بأن تكمل دراستها الجامعية وتكون معلمة وأن تصبح زوجة وأماً تربي أطفالها لم يكن لديها المال الكافي لتسافر الى الخارج لتخضع للعلاج الذي يعيدها إلى الحياة لتحقق كل أحلامها عدم قدرتها على المشي أوقف مشوار دراستها الجامعية ظلت حزينة لسنوات والآن بدأت تستعيد نشاطها لتجمع المال الذي يكفل لها العلاج بدأت تصنع الكعك وقالب الحلوى لمتجر معروف في حي راقي بعيد عن حيها لقد كسبت سمعة حسنة عن ما تقوم بصنعه أصبح المتجر مكتظاً بالزبائن وأسمها بات معروفاً لدى الناس .
---------------------------------------------------------------------------------------------
جاء آخر النهار والطير رجع إلى سربه والعصافير عادت إلى أعشاشها وكل شخص رجع إلى منزله بعد يوم عمل شاق ومضني هي الحياة هكذا في ذلك الحي الفقير لابد من العمل لتسير دفة الحياة ولكن الأحلام فيها شبه مؤجلة أحلام فتاة محل القهوة تسعى وتعمل وتوفر المال لتحصل على جواز سفر وتأشيرة دخول إلى مدينة ( لندن ) حيث والدها المريض هناك لقد تركهم منذ ثلاث سنوات ليحسن وضعهم المعيشي ويضمن لهم حياة كريمة ولكن مرض ألم به فحال دون إتمام ذلك كل حلمها أن ترى والدها بعد غياب طويل وتأتي به فهو هناك مريض و وحيد وعاجز عن جمع المال ليعود إلى أسرته .
أما ( راضي ) الفتى الشقي لقد ازدادت مشاكله وأصبح فتى موارباً جداً كل أهل الحي يشتكي منه يخدع هذا ويسرق مال هذاك ويكذب تارةً و يزور تارةً أخرى كان يعمل عند العم ( عمر ) في حانوته الصغير لكنه خان الثقة وسرق العم المحسن إليه وهرب لقد مات والده وهو صغير ووالدته تقوم بالخدمة في البيوت لتوفر لهم لقمة العيش ليس لديهم منزل سوى غرفة صغيرة في نهاية السلم عند منزل العم ( خليل ) لقد أعطاهم الغرفة بعد وفاة والد ( راضي ) حيث كان هو و والدته وأخوته الصغار يسكنون في منزل قريب ولكن لم يستطيعوا دفع الإيجار فطردوهم منها فأعطاهم العم ( خليل ) الغرفة التي كان يستخدمها كمخزن .
يحلم ( راضي ) بأن يكون لديه منزل كبير يضمه هو وأسرته لم يرد الإنتظار فقرر أن يسلك الطريق السهل أعجب بالطرق الملتوية والأساليب المواربة ظناً منه أنها سوف تجلب له كل ماتمنى كان أهل الحي يتغاضون عن تصرفاته إكراماً لوالدته .
( بيرين ) الفتاة الجامعية الطموحة كانت تحلم بمستقبل لا مثيل له وظيفة مرموقة و زوج محب تكون معه أسرة مترابطة تنعم بدفئه وحنانه ولكن قدر لها أن تتعرض لحادث سير شنيع مما أدى إلى كسر في العمود الفقري وأدى بها إلى شلل نصفي لا تستطيع تحريك رجليها لقد أصبحت مقعدة أحلامها تطايرت لا يوجد لديها المال الكافي لتقوم بعمل عملية جراحية تعيدها كما السابق تماماً مكثت فترة طويلة وهي حزينة وعاجزة عن تحقيق ما كانت تحلم به ولكن لا يأس مع الحياة لابد بأن تستعيد قوتها ونشاطها مرة يجب عليها توفير المال لتسترد صحتها مرة أخرى هي ممتازة في صنع الكعك والحلوى فتعاقدت مع متجر كبير تخبز لهم كل يوم .
بائعة الخضار تلك المرأة التي هجرها زوجها مع إبنتها لا يريد تحمل مسؤولية طفلة والصرف عليها حتى تكبر أحياناً يجد قوت يومه فيرجع إلى عائلته قرير العين وأحيانا أخرى لا يجد لقمة العيش الذي يجعله سعيداً فتضيق به الدنيا في ذلك اليوم لقد نسي بأن الله هو الرزاق فقرر أن يختفي فتحملت بائعة الخضار هجران زوجها لها لم تيأس بحثت عن عمل أجتهدت كثيراً لكي تربي إبنتها لتكفيها ذل السؤال حتى كبرت الفتاة لقد أصبحت الان عروساً وها هي تجهز لزفافها من إبن نفس القرية .
-----------------------------------------------------------------------------------------------
في أحد الأيام بينما كانت فتاة محل القهوة تقوم بعملها كالعادة جاء ذلك الرجل الغني صاحب الغليون الأنيق وقف برهة عند الباب ينظر في الفتاة ويراقبها وهي تعمل الى أن أنتهت من عملها ودخلت الغرفة الصغيرة فدخل وجلس مع صاحب القهوة فقال له تلك الفتاة راقت لي كثيراً أريدك أن تساعدني في إقناعها أن تعمل عندي في الملهى الليلي سوف أدفع لها الكثير من المال وأنت أيضاً لك حصتك لم أستطع نسيانها من المرة الماضية وأنا أفكر بها لم تغب عن مخيلتي إنها جميلة جداً وأريدها معي وسوف تساعدني أنت في ذلك أليس كذلك أتسعت عينا صاحب القهوة وأخذ يقول إنها فتاة مسكينة والدها في لندن مريض وبغير مال وهي تعمل لتوفيرالمال لتستطيع ان تعالجه وتأتي به إلى هنا إنها فتاة مجتهدة ومثلها قليل أبتسم الرجل الغني إبتسامة خبث مرة أخرى وأخرج من جيبه رزمة من المال ورمى بها أمام صاحب القهوة فقال له هذه هدية لك خذها وسوف أهديك مثلها مرتين إذا أتيتني بها تهللت أسارير صاحب محل القهوة وسال لاعبه أمام المال فقال بدون تردد أعتبرها عندك من الليلة سوف أحضرها لك غمز الرجل الغني بعينه ولبس قبعته البنية التي يفتخر بها فخرج نادى الفتاة وأجلسها أمامه وأظهر لها الود فقال لها مارأيك يا فتاتي الصغيرة بأنه يوجد من يهتم بك وبأمر والدك هناك أ ناس طيبون يحبون فعل الخير يساعدون الناس بدون مقابل لقد عرض علي شخص أن يساعدك أنت ووالدك سوف يؤمن لك المال لتعالجيه ويساعدك في الحصول على جواز السفر وتأشيرة الدخول الى لندن ذهلت الفتاة من ما سمعت لم تتوقع ذلك أبدا لقد خفق قلبها الصغير بشدة لم تكن تعلم أنها سوف تخسر كل شيئ وإلى الأبد .
---------------------------------------------------------------------------------------------------------
أعدت ( بيرين) الحلوى والكعك كالعادة وذهبت إلى متجر الحلوى بنفسها لتسلمها لهم وهناك بالمصادفة جاء الى المتجر إبن أحد تجار الذهب لقد أحب طعم الحلوى كثيراً فصار يتردد الى المتجر ليشتري منه دائماً كان يسأل عن الفتاة التي تقوم بخبزها والآن تقابل معها وتعرف عليها أعجب بها كثيراً وطموحها العالي فقرر أن يتكفل بعلاجها وتحمل كافة مصاريف علاجها .
------------------------------------------------------------------------------------------------------------
إتفق ( راضي) مع أصدقاء له بالسطو على أحد متاجر الأجهزة الكبيرة خططوا أن يسرقوها في الليل دخلوا المتجر ولكن من سوء حظهم كانت سيارة الشرطة بإنتظارهم حيث أنهم كانوا مراقبين لان عمليات السطو على المنازل والمتاجر زادت كثيراً وكان هو ورفاقه يهربون بسرعة إذا أحس بهم أحد وهذه المرة لقد وقعوا في الفخ أراد جال الحي أن يساعدوه من أجل والدته ولكن كل محاولاتهم فشلت لابد من أن يتلقى العقاب الرادع ليصبح رجلاً سوياً ويتحمل مسؤولية عائلته .
----------------------------------------------------------------------------------------------------------
مكثت بائعة الفواكه طوال الليل تفكر كيف تأتي بالمال لتستعد لعرس إبنتها بعد أن سرقها ( راضي) فأخذت تبكي وتنتحب فهي لا تستطيع توفير المال وقد قرب موعد عرس إبنتها وبينما كانت تفكر طرق الباب قامت بسرعة ومسحت دموعها ففتحت الباب للطارق وإذ بوالد إبنتها الذي هجرها منذ سنين يعود اليها والى ابنته التي لم تنعم بوجوده بجانبها وهي تكبر سنة بعد سنة لقد ندم كثيراً على ما فعله بعائلته ذهب اليه رجال الحي وأخبروه عن سوء أحوال زوجته وإبنته بعد أن تركهم فأخذوا يعنفونه ويبخونه تارةً ويهونون عليه ضيق العيش تارة أخرى إلى أن أحس بالذنب على ما أقترفه من حماقة في حق أهله واليوم جاء ليفكر عن ما فعله وأتى بالمال ليتمم به عرس إبنته عنفته كثيراً في بادئ الأمر ولكنها فكرت بابنتها وبمستقبلها فسامحته على ما فعله بهم وتمموا زفاف ابنتهم وسط أفراح أهالي الحي .
-------------------------------------------------------------------------------------
جهزت فتاة محل القهوة نفسها ليأخذها إلى الرجل الذي سوف يساعدها في تدبير أمورها فهو رجل مقعد ولا يستطيع الحركة حسب ما أفهمها ويجب أن تذهب اليه بنفسها طوال الطريق وهي تفكر بطريقة لائقة وكلمات مناسبة تشكره بها قلبها يخفق بشدة وهي تبتسم إبتسامة الرضى أخيراً سوف تحل كل مشاكلها وقفت السيارة عند باب الملهى نزل السائق وفتح لها الباب أستنكرت ذلك فنظرت إلى صاحب محل القهوة فقال لها لا تخافي أنزلي أنت لا تستطيعين أن تقابلي الرجل الذي سوف يساعدك بهذه الملابس الرثة والقديمة كيف تدخلين ذلك القصر الكبير وملابسك لا تناسب ذلك المكان الفخم لابد من تغير الملابس لقد أعددت لك بعض الملابس الجديدة هنا لتقومي بتغير ملابسك أولا ثم نذهب إلى قصر الرجل الغني أطمأنت لكلامه فأردفت قائلاً بسرعة حسناً معك حق فنزلت وتوجهت إلى الملهى وهناك أستقبلتها العاملة وأصطحبتها إلى غرفة الملابس ألبستها أفخم الثياب وقامت بتسريح شعرها فقالت لها إجلسي هنا بضع دقائق فقط فصاحب محل القهوة أبلغنا أنه نسي شيئ في المحل وذهب ليحضره لن يتأخر عليك دقائق وسوف يأتي ويأخذك أرتاحت الفتاة من ما سمعت وجلست تنتظر فجأة فتح الباب ودخل ذلك الرجل الغني صاحب الغليون القديم والقبعة البنية دخل اليها وأقفل الباب ورأه فقفزت من مكانها خوفاً وهلعاً أبتسم إبتسامة خبيثة وقال لها لا تخافي سوف أحل لك كل مشاكلك المادية فقط أقضي الليلة معي وسوف لن تندمين ستعيشين في بحبوحة طوال حياتك هيا لا تخافي أحمر وجه الفتاة من شدة الغضب وقالت له لن أبيع نفسي لك وأعيش ذليلة طوال حياتي من أجل حفنة مال تغريني بها علمني ذلك الرجل المريض أن كرامة الإنسان هي أهم شيئ وبدونها لا طعم للعيش في هذه الحياة قال لها الرجل هذا كلام ساذج بل المال هو من يرفع الشخص ردت عليه بسرعة هذه نظرية أصحاب العقول الجشعة أمثالك قالتها وهي تحمل الكرسي عالياً وهوت بيه على الرجل فوقع على الأرض حاولت ان تفتح الباب لكن سرعان ماأستعاد وعيه وهجم عليها وبدأ بتمزيق ملابسها أمسكت بقطعة حديد وضربته بها بقوة فسقط مغشياعليه قامت وهرعت بسرعة إلى الباب وهربت وهي تبكي وتذم في صاحب محل القهوة الرجل الوحيد الذي وثقت به وأتمنته على نفسها ولكنه خان تلك الثقة ذهبت الى القهوة وأخذت كل ما يلزمها وتركت ذلك الحي الذي أصبح لا يذكرها إلا بتلك الذكريات المؤلمة التي تدمي القلب ذهبت من حيها الذي كبرت فيه وحلمت بأحلام وردية ولكن تبددت كل تلك الأحلام مثل الغيوم عندما تبددها الرياح القوية بأي ذنب سرقوا حلمها سارقوا الأحلام ؟ ليس لها ذنب فقط لأنها حلمت بعلاج والدها وبجواز سفر .
--------------------------------------------------------------------------------------------------------
دخلت ( بيرين ) إلى المستشفى وعملت العملية ونجحت فبدأت تستعيد صحتها رويداً رويداً خضعت لتمارين للرجلين فتحسنت كثيراً إلى أن تماثلت للشفاء رجعت إلى حياتها الطبيعية رجعت إلى إكمال دراستها ولكنها لم تترك صناعة الحلوى تحمس إبن التاجر كثيراً للتقدم إلى ( بيرين ) وطلبها للزواج فوافقت عليه أقاموا إحتفالاً كبيراً وحققت بعدها كل أحلامها .
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------
هؤلاء أناس نسجوا الأحلام في مخيلتهم ثم أرادوا تحقيقها على أرض الواقع فمنهم من أراد تحقيق حلمه ولو على أكتاف غيره وبالمواربة والخداع مثل ( راضي ) ومنهم ذاق مرارة المرض والعجز ولكنه كافح وأجتهد وسعى إلى هدفه إلى أن حصل ما كان يتمنى مثل قصة ( بيرين ) والمرأة بائعة الخضار تحلت بالصبر ورباطة الجأش إلى أن أتاها الفرج وهناك أناس تأجلت أحلامهم إلى أجل غير مسمى لم يحن الوقت بعد لتحقيقه فربما يتحقق أو ربمايتلاشا مثل فقاعة الصابون مثل قصة فتاة محل القهوة .
لا بد على المرء أن يسعى ويجتهد في تحقيق طموحاته وأحلامه وأن يبذل المستحيل في سبيل ذلك لأنها لن تتحقق إلا بالجد والاجتهاد .